رغدة جمال
أحمد الشلفي: رحيل عن الجنة… وإليها

يطمح الشاعر والصحافي اليمني أحمد الشلفي، أن يكون كتابه «الرحيل عن الجنة» الذي صدر مؤخراً عن دار روزا للنشر، بداية لرحلة سرد وكتابة، ضمن ثلاثية بدايتها الرحيل عن الجنة، لها كتاب ثان وثالث يسلك فيه الكاتب النهج نفسه والأدوات نفسها، لتقديم «رسائل وحكايات عن الحب في خربشاته الأولى، وعن الروح في تعبها وألقها ورحيلها وتشردها منذ البدء».
يقول الشلفي إن كتابه هو اعتراف بالاضطرار للنجاة، وحتمية العودة إلى الجنة (اليمن) يوما ما، ويشير في السياق إلى أن «الوطن حيث يولد المرء ويرضع رشفة حليب أمه الأولى، هو الجنة والرحيل عنها كان إجباريا، لم أفكر في أي لحظة أن أغادر جنتي، لكنه كان خروجا إجباريا لا اضطراريا».


حين أستقر الشلفي حيث مقر عمله في العاصمة القطرية الدوحة في إبريل/نيسان 2014، عقب مغادرته اليمن بسبب ما قال إنه «خطر حقيقي كان يتهدده» كان يأمل أن يعود بين الحين والآخر إلى اليمن، «لكن الحرب كانت أكبر من كل التأويلات والتصورات» وفق ما يقول. لذا حين قرر عنونة كتابه بالرحيل عن الجنة، كان ذلك لأن الرحيل عنها يعني أنه سيعود إليها ذات يوم، تاركا مجموعة من العناوين التي كانت أمامه مثل، الهروب من الجنة، الرحيل من الجنة، وعناوين أخرى.


لا تقتصر رحلة الشلفي فقط عن الرحيل، حيث الرحيل الأول من أحضان قريته الصغيرة إلى المدينة، ومن ثم الرحيل عن وطن، بل يأخذنا إلى سلسلة أحداث بشكل سردي يفهم منها القارئ كيف سارت الأوضاع في اليمن حتى ثورة 11 فبراير/شباط 2011. وهو ما يراه الأسلوب الأمثل لرواية القصة، كما حدثت بشكل بسيط لمن أراد أن يعرفها، مع تشديده على أنها ليست القصة كاملة. ومن ضمن أحداث قصة الشلفي، كانت ثورة فبراير اليمنية ضد نظام علي عبد الله صالح، هي المرحلة الأعمق من أن توثق في كتاب واحد أو في جزء من كتاب، لكنه من القلائل الذين ساهموا في كتابة جزء من تجربتهم في تلك المرحلة القريبة كإعلامي غطى الثورة في ميدانها، وما زال يسعى لمشروع تدوين أكبر يوثق قصة الثورة اليمنية الوليدة عبر صانعيها ورموزها وهم كثر «حيث ما زالت الثورة مستمرة» على حد قوله.
يقول الشلفي إنه خطط لهذا الكتاب منذ فترة، وقد اختار أن يكتبه أولا للجمهور في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» لحاجته إلى أن يقرأ الفاعلين الحقيقيين الذين وردت أسماؤهم في الكتاب ما كتب، ويساهموا في التدوين والرد وهو ما حدث، وفق ما يقول «فخلال نشر حلقات من الكتاب في مايو/أيار 2020، وجدت الكثير من التعقيبات، سواء ممن ذكرت أسماؤهم في الكتاب أو من المهتمين».
وعن طريقة تقديمه للكتاب يعلق: «نحن مأسورين للأسلوب في التأليف، وقد تغير الوضع في زمن السوشيال ميديا، وأساليب التحقيق والترجمة، لذا لم يعد ما كان مألوفا ينطبق على ما نحن عليه الآن» حيث يرى أن كتابه عبارة عن رحلة شخصية وثقها على هذا النحو، توخيا للموضوعية والأمانة. وفي ظل الجدل حول تسميتها سيرة ذاتية أو سردا أو مقالات أو توثيقا، يرى الشلفي أن المهم بالنسبة له أنه مؤلف بوحدة موضوعية قصتها شخص عاش فترة في بلد أحبه، وهو ما أشار إليه في مقدمة الكتاب.


في العادة، يشكو الأدباء من القراءة التلصصية للنص، وهي التي تبحث عن مكنونات الكاتب بدلا من النص، وقد اعترف الشلفي بأنه منذ فكر في هذا البوح جال بخاطره ردة فعل المتلصصين، لكنه قرر أنه لا يكتب لمن سيقرأ اليوم، وإنما للقراء في كل زمان ومكان، «فسيأتي جيل يبحث عن هذه التواريخ، وعن سيرة من عايشوها كما فعل من قبلهم». ويؤكد في السياق ذاته «التدوين، خاصة تدوين الكتب يجب أن يكون عملية إدراكية متمنعة على أسئلة النقد، متعالية على التلصص، لأنه مسألة تتعلق بالمسؤولية، والتقييم غير مهم الآن، ما يهم هو الإنجاز». كما يعترف بأنه ليس مسكونا بهاجس المكنونات، لأنه خليط من شاعر وصحافي وسياسي، وهذه عقدة أوجدها لنفسه، ويحاول فك طلاسمها، فسنوات عمله كمراسل ميداني أو كصحافي في غرفة الأخبار لمدة تقارب الستة عشر عاما؛ وإن سرقته من الشعر فإنها تجربة إضافية أثرته بالكثير من التفاصيل.
الشلفي في ذكريات رحيله، يوضح بأنه كان يكتب لذاته التي تشبه الكثيرين في اليمن، وهو ما أكده له العديد من متابعيه أثناء متابعة حلقات الكتاب، التي نشرها مسبقا على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدمها لنا اليوم ضمن تذكرة «الرحيل عن الجنة».

عن القدس العربي

مقالات أخرى
من سراييفو ! خليل العمري
قصة مجلي علي الفقيه
نافذة استقرار في بحر عاصف غسان شربل
لايدن ! د.عمرو ياسين
عن البطولة الأولى للروبوت في عدن! منير الوجيه