لم تنقشع سحب الحرب بعد في اليمن، بل تضاعف من معاناة النزوح التي أثقلت بها كل من نزح وتشرد من منزله.
سمية، واحدة من بين 20 ألف نازح في موجة نزوح جديدة إلى مأرب بحسب الوحدة التنفيذية للنازحين في المحافظة، لوصول الاشتباكات أطراف محافظة مارب شرقي اليمن.
لم يكن نزوح سمية هو الأول منذ بداية الحرب، بل هو النزوح الثاني، وبين النزوحين فصول من المعاناة لا تكاد تنتهي.
عند نشوب الحرب، نزحت سمية مع أسرتها إلى أحد اقربائها في مدينة حزم الجوف شمال شرقي اليمن، ومكثت فيها عامين كاملين، فترة طويلة مليئة بأثقال الحرب ومرارة النزوح كما تقول سمية.
وفي مطلع العام 2020 اشتدت الحرب على أطراف المدينة، وفقدت سمية والدها " العائل الوحيد للأسرة"، واختفى زوجها ولا تعلم عنه شيئا حتى اللحظة؛ وبعد احتدام المعارك نزحت إلى مدينة مارب؛ ولم تكن تعلم أن الحرب ستجبرها وأسرتها على النزوح ثانية إلى مخيم يكتظ بعشرات آلاف النازحين، مخيم "الجفينة"، لكن هذه المرة لم تمهلها الحرب لتأخذ معها ما تبقى من أغراض المنزل، حد قولها.
من بين الاغراض المفقودة مكينة الخياطة، مصدر دخل الأسرة الوحيد، يعينها على مقاومة ظروف المعيشة بعد رحيل والدها بسبب الحرب.
وأوضحت: حين وصلنا مأرب لم نكن نعلم إلى أي مكان نلجئ بالتحديد، فلا أقرباء لنا هنا، ولا نملك أي مبلغ يعيننا مؤقتا ريثما نجد السكن ومعونات المنظمات، فلجأت سمية وابنتيها وأمها مجبرين للسكن في أحد مساجد المدينة قرابة خمسين يوماً، وفيه كان أحد أبناء الحي يوفر لهم الطعام.
ولتنتقل سمية وأسرتها بعد ذلك إلى مخيم الجفينة، وتتابع: بعد عناء وجدنا خيمة، عبر وسيط لا نعرفه، حين شاهد ابنتيَّ وهما تلعبان في التراب تحت وطأة الحرٍ الشديد، رفقَ بنا ووفر لنا خيمةً قال أنها من منظمة استجابة للإغاثة والأعمال الإنسانية.
"ازيح شيءٌ ثقيل كان يؤرقنا، أن نجد السكن الذي يأوينا" تقول سمية، إلا أن الفرش وأثاث الداخل كان ضئيلاً للغاية؛ ولم يتوفر لنا ما سنأكله، فضلا عن انعدام المياه الصالحة للشرب.
اضطرت سمية للبحث عن عمل يعينها على مقاومة الحياة والانفاق على اسرتها؛ لكنها لم تجد اي عمل، وواجهت تحديات في مجتمع لا يزال يؤمن بأن العمل خارج المنزل يخص الرجال فقط، حد وصفها، وتضيف: جاء الفرج بتوفير ماكينة خياطة من فاعل خير، وأعمل بها حالياً على خياطة الملابس وتطريز الفساتين، مما تدر علينا مالاً نسد به جوعنا".
"اكافح من أجل أن تحصل ابنتيَّ بيان (7 أعوام) وسندس (5 أعوام) على حياة كريمة وتعليم آمن؛ لأني حُرمت من التعليم وتزوجت في سن مبكر، وأعرف جيداً كم هو مؤلم أن تكون حياتك بلا تعليم أو عمل"، تختم سمية حديثها.
ولا يختلف حال قاسم وأسرته، عن حال سمية، فهو يعيش معاناة، في مخيم الميل جنوب مدينة مارب، التي يعاني فيه من تقلبات الطقس، والسيول التي شهدتها مؤخرا محافظة مارب، وأغرقت مخيمات النازحين، كانت خيمة قاسم إحداها.
نزح قاسم للمرة الرابعة منذ بداية الحرب، من منطقة نهم شرق صنعاء، الى منطقة صَلَب بمحافظة مارب، وامتدت نيران الحرب، ونزح إلى منطقة مدغل، وما إن وصلت الحرب إليها، نزح إلى مخيم " الميل"، حيث يقيم الآن.
يقول قاسم: تشردنا وجار علينا الظلم في كل نزوح، عانينا كثيرا في نزوحنا، من الحرب والرياح والعواصف والفيضانات والشمس، وها نحن نازحون في صحراء قاحلة وسط مأرب لا نجد الماء ولا المأوى بعد أن مكثنا في العراء لعدة أيام.
موجة نزوح جديدة
من جهته قال سيف مثنى مدير عام الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين في مارب أن نسبة النازحين في محافظة مأرب وصلت الى مليون وثمانمائة وخمسين ألف نازح.
وأوضح مثنى إلى أنه في اغسطس الماضي تم نزوح داخلي ما يقارب 2500 أسرة من مخيمات النازحين المتواجدين في أطراف مارب.
وأشار إلى أن النزوح الداخلي يزداد يوميا، ولم يتم توفير لهم الاحتياجات الأساسية، حيث أن المنظمات المتواجدة في مأرب لا توفر حتى 30% من احتياجات النازحين بشكل عام في مارب، حد قوله.
"أتمنى أن تتوقف الحرب ويحل السلام، ونعود إلى ديارنا، ونعود إلى منزلنا وننسى معاناة النزوح والتشرد" تختتم سمية حديثها.