رغم ظروف الحرب والمعاناة، التي يعيشها اليمن، صنع المنتخب اليمني لكرة القدم الحدث بتأهله لنهائيات كأس آسيا 2019، وذلك للمرة الأولى في تاريخه. هذا التأهل ولد من رحم المعاناة، فالدوري اليمني متوقف والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يمنع النشاطات الكروية هناك لأسباب أمنية.
ورغم الانقسام السياسي في الساحة اليمنية، ظلَّ المنتخب اليمني يمثل تلك اللحمة، التي تجمع جل التيارات والتوجهات بغض النظر عن اختلافها. وقد يكون السبب هو تواجد لاعبين بالمنتخب يمثلون جل المناطق اليمنية، سواء الشمال، وبالتحديد صنعاء، حيث يمسك الحوثيون بزمام السلطة، أو الجنوب، حيث توجد الحكومة المعترف بها دولياً، أو ما تعرف بحكومة "الشرعية".
وأظهرت الفرحة التي عمت جل المحافظات بعد التأهل لكأس آسيا، اصطفاف اليمنيين بكل أطيافهم وراء المنتخب، وهو ما يوضحه أيضا رئيس الجمعية اليمينة للإعلام الرياضي، بشير سنان، في حواره مع DW عربية. "نسي اليمنيون القذائف والمدافع، وتناسوا كل أحزانهم بعد التأهل، وتحول المشهد القاتم ومشهد الدم، الذي كان مسيطرا على الساحة اليمنية إلى أفراح واحتفالات كبيرة جدا عمت أرجاء البلاد، واحتفلوا باللاعبين احتفالا غير مسبوق"، يقول سنان.
السياسة في معسكر التدريب؟
التصفيات المؤهلة لكأس آسيا 2019 خاضها المنتخب اليمني في العاصمة القطرية الدوحة. فبسبب الحظر الدولي المفروض على الملاعب اليمنية اختار الاتحاد اليمني منذ عام 2015 قطر؛ لتكون أرضا بديلة للمنتخبات اليمنية. وكان من المخطط أن يواصل الفريق في الدوحة أيضا استعداداته الأخيرة للبطولة، التي تقام في الإمارات الشهر المقبل، وكان هناك حديث عن خوض ثلاث مباريات ودية في الدوحة أمام منتخبات لبنان وفلسطين وطاجيكستان.
في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني أقام المنتخب اليمني معسكر تدريب في العاصمة السعودية الرياض، وبعد الفشل في العودة إلى الدوحة كان مقررا له أن يواصل معسكره في السعودية، بيد أن جمهور المنتخب اليمني والمتتبعين تفاجئوا في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري بنقل معسكر الفريق من الرياض إلى ماليزيا. وتحدثت تقارير مختلفة عن أن السعودية هي من ضغطت على اليمن لعدم الرجوع إلى قطر. فهل اختلط السياسي بالرياضي على حساب مصلحة المنتخب، الذي تعود على أجواء التدريبات في قطر ولديه لاعبون محترفون يلعبون هناك؟
يقول وزير الشباب والرياضة اليمني نايف البكري في حوار مع DW عربية إنه لا توجد أي مشاكل أو تجاذبات بخصوص المعسكرات الإعدادية للمنتخب اليمني. ويؤكد البكري "في قطاع الشباب والرياضة ننأى بأنفسنا عن أي تجاذبات سياسية. لقد أجرينا معسكرات في دول عربية مختلفة منها مصر وقطر. كما أن منتخب الشباب والناشئين تدربا بدورهما في قطر."
ويضيف الوزير في حكومة الشرعية: "لا توجد أي ضغوط، هذه معسكرات داخلية عادية وليست عملاً رسمياً حتى نقاطع دولة على حساب أخرى. واختيار مكان لإقامة المعسكر تبقى من صلاحية اتحاد الكرة والجهاز الفني".
بيد أن رئيس الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان له رأي آخر: "بعد انتهاء معسكر الرياض توقعنا عودة المنتخب إلى الدوحة، لكننا تفاجئنا بفرملة سياسية تم بموجبها سحب المعسكر من العاصمة القطرية الدوحة." ويتساءل سنان "ما هي مميزات ماليزيا لاستضافة معسكرٍ للمنتخب اليمني؟"
بالنظر إلى استعدادات المنتخبات الأسيوية لمسابقة كأس أسيا، يتضح جليا أن معظم المنتخبات اختارت منطقة الخليج مكاناً لمعسكراتها، خاصة بسبب تشابه الأجواء هناك مع أجواء الإمارات العربية المتحدة، التي ستحتضن البطولة. لذلك استغرب سنان من نقل المعسكر إلى ماليزيا، معتبرا أن المنتخب اليمني "هو الضحية الأولى والأخيرة للتدخل السياسي الذي سيؤثر على أداء المنتخب اليمني لا محالة".
سنان لا يدعو لخصومة مع السعودية "فكلهم إخواننا وأشقاؤنا"، غير أنه يقول للمسؤولين في اتحاد الكرة السعودي أو في الهيئة العامة للرياضة بالمملكة "إذا كنتم لا تريدون لمنتخب اليمن أن يعسكر في الدوحة، وفروا له إذاً المعسكر اللائق في العاصمة السعودية الرياض أو في غيرها من المدن السعودية." .
ليس ذلك فحسب وإنما أيضا "وفروا ما وفرت قطر للاعبين من عقود احترافية في الأندية القطرية"، يضيف الخبير الرياضي، الذي يؤكد أن "نقل المعسكر سيؤثر نفسياً على اللاعبين في كأس آسيا وأيضا عند عودة اللاعبين إلى أنديتهم في قطر".
وسم "اليمن تاريخ وآسيا حلم"
وبعيدا عن الجدل حول مكان معسكر التدريب، هناك إجماع لدى جمهور كرة القدم في اليمن على دعم المنتخب وتشجيعه بكل الوسائل في بطولة كأس آسيا. وفي هذا الصدد أطلقت الجمعية اليمنية للإعلام الرياضي مؤخرا حملة تحت وسم
#اليمن_تاريخ_واسيا_حلم، والمقصود بذلك حسب الجهات التي أطلقت هذا الوسم هو أن اليمن رغم كل الدمار والحرب لازال حاضراً بتاريخه، أما المقصود بالحلم فيعني أن حلم الصعود تحقق بالتأهل لكأس آسيا مهما كانت النتائج.
وعن هذه المبادرة يقول الخبير الرياضي بشير سنان: "الهدف من هذه الحملة هو خلق شراكة بين الإعلام الرياضي والجمهور لتحقيق أكبر مساندة جماهرية قبل البطولة وخلالها".
وحتى على الصعيد السياسي يُعلق المسؤولون عن القطاع الرياضي في الحكومة اليمنية آمالا على المنتخب اليمني لجمع شمل الشباب اليمني داخل بوتقة واحدة، بغض النظر عن الانقسامات والتجاذبات، التي تعصف بالبلاد. وهو ما أكده وزير الشباب والرياضة نايف البكري في حواره مع DW عربية: "أدركنا منذ البداية أن المنتخب يستطيع أن يلم شمل أبناء اليمن في الداخل والخارج حتى يقولوا بصوت واحد نحن كلنا يمنيون، بعيدا عن الحرب."
ويوضح البكري: "المنتخب من جانبه يوجه دعوة غير مباشرة، لأبناء اليمن وللسياسيين بأنه ينبغي علينا أن نوقف أصوات البندقية ونعوضها بالحوار العقلاني وبالسلام".
"لا تيأس أبداً"
وقبل نحو شهر من انطلاق البطولة، اختار الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الشعارات الرسمية التي ستوضع على حافلات المنتخبات المشاركة في البطولة. وشارك الجمهور في اقتراح والتصويت على تلك الشعارات. وشعار منتخب الإمارات مثلا هو "هذا وقتنا". أما حافلة المنتخب اليمني فسيكتب عليها "لا تيأس أبداً". وهو شعار يحمل أكثر من دلالة، من بينها أن المنتخب اليمني لم ييأس رغم ظروف الحرب، وتمكن من صنع الحدث والتأهل لنهائيات كأس آسيا.
وتنطلق بطولة كأس آسيا في الخامس من يناير/ كانون الثاني 2019 وتستمر حتى الأول من فبراير/شباط. ويتواجد اليمن في المجموعة الرابعة إلى جانب العراق وإيران وفيتنام. وبالنظر لظروف الاستعدادات وقلة المباريات الإعدادية التي خاضها المنتخب اليمني ستكون المهمة بدون شك صعبة، خاصة وأن الفريق عرف تغييراً جديداً في إدارته الفنية، حيث تولى المدرب السلوفاكي جان كوسيان مهمة الإشراف على المنتخب اليمني بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بدلا من الإثيوبي أشنافي بيكيلي.
لكن الإصرار والقوة التي يتمتع بهما اللاعب اليمني، قد تكون حافزاً وعنصراً هاما في دفعه لتحقيق نتائج طيبة في البطولة، وهو ما يأمله أيضا الخبير الرياضي بشير سنان: "تعودنا في اليمن على أن منتخباتنا تصنع التحدي وتحقق المستحيل في أصعب الظروف وظهر هذا حتى على صعيد المنتخب الأولمبي ومنتخب الناشئين والشباب. حيث تتأهل ولأول مرة كل المنتخبات للمسابقات الدولية في سنوات الحرب".
فهل سيقهر المنتخب اليمني كل التحديات، سواء السياسية منها والرياضية ويحقق نتائج جيدة في مسابقة كأس آسيا، ليرسم بذلك بسمة جديدة على شفاه الشعب اليمني، الذي كاد أن ينسى طعم الفرح بسبب الحرب والدمار؟