حقق المنتخب اليمني شبه معجزة عندما تأهل إلى نهائيات كأس أمم آسيا، والبلاد تدمرها الحرب، والمجاعة تهدد الملايين من أهلها.
قصة المنتخب اليمني وإنجازاته تعد من أغرب قصص كرة القدم. فبعض لاعبيه اختطفتهم الجماعات المتطرفة، وبعضهم لجأوا إلى الجبال للقتال، وآخرون لقوا حتفهم في الحرب التي تدمر البلاد.
يلعب اليمن نهائيات كأس آسيا الجارية بالإمارات في مجموعة تضم إيران والعراق وفيتنام، وحظوظه في التأهل إلى الدور المقبل ضئيلة، ولكن حضوره يعد إنجازا في حد ذاته، يبعد اللاعبين قليلا عن دمار الحرب والمجاعة.
يحتل المنتخب اليمني المركز 135 عالميا في ترتيب الفيفا، ومنافسه المنتخب الإيراني مصنف في المركز 29، ولكن إنجازات سوريا والعراق الباهرة تجعل كل شيء ممكنا في كرة القدم.
توقفت كرة القدم في اليمن تماما. فالدوري المحلي معلق إلى أجل غير مسمى، والمنشآت الرياضية كلها تدمرت، والملاعب تحولت إلى خراب، والفرق لم تعد موجودة، بسبب الحرب.
فتصاعد النزاع في عام 2015 بين حكومة، عبد ربه منصور هادي، المعترف بها دوليا والمتمردين الحوثيين أدخلت اليمن في دوامة حرب دامية. وأدت المعارك إلى مقتل عشرات الآلاف، وإلى انتشار الأوبئة الفتاكة والأمراض، ووضعت البلاد على حافة المجاعة.
وتجاوزت الكارثة كل التقديرات، إذ هلك نحو 85 ألف طفل أعمارهم أقل من 5 أعوام من الجوع، ويواجه 14 مليون يمني خطر الموت جوعا.
انقسمت البلاد إلى قسمين في حرب بالوكالة تدور في رحاها في اليمن. وتعرضت بريطانيا والولايات المتحدة للانتقاد لدعمهما التحالف بقيادة السعودية في حملته العسكرية مساندة للرئيس هادي، ولتصديرهما القنابل التي تصب على اليمنيين، دون شفقة.
وتدعم إيران المتمردين الحوثيين، الذين يسيطرون على المناطق الجبلية شمال غربي البلاد، بما فيها العاصمة صنعاء. وتشارك في حرب اليمن أيضا جماعات مسلحة محلية وأخرى مرتبطة بتنظيم القاعدة.
ولكن الحياة مستمرة بالنسبة لعموم اليمنيين على الرغم من تشتت العائلات ومآسي الحرب. ويرى الصحفي، بشير سنان، أنهم يتطلعون إلى المباراة الأولى التي يجمع منتخب بلادهم بإيران في كأس أمم آسيا.
ويحاول اللاعبون التركيز على كرة القدم، ولكن الأمر ليس سهلا. فقد وجد بعضهم فرقا يلعبون فيها خارج اليمن، مثل قطر، ولكن الذين بقوا في البلاد، ينتظرون فرصة المباريات الدولية منذ أربعة أعوام.
وعندما كانت الفرق المحلية تنظم مباريات ودية بين الفينة والأخرى فإنها لم تسلم من الصواريخ والقذائف التي تترك الملاعب دمارا.
تحضير المنتخب لخوض منافسات دولية كبيرة مهمة غاية في الصعوبة بالنسبة للمدرب، يان كوتشيك.
فاللاعبون الذين وجدوا فرقا لا تزال تنشط يتلقون أموالا قليلة ويضطرون إلى العمل سائقين أو بائعين في المتاجر لتوفير لقمة العيش. وبعضهم التحق بجبهات القتال، وقتل الكثير منهم في الحرب.
يقول عماد عمر طلال، وهو لاعب في نادي التلال، أحد أكبر الأندية اليمنية، إنه "لا بد لي أن أجد عملا آخر أحصل من خلاله على المال، ربما التحقت بالجيش".
لاعب آخر في المنتخب، يقول إنه يعمل ولكنه يجد صعوبة في توفير لقمة العيش، وكان عليه تدبر أمر السفر إلى السعودية للمشاركة في تحضيرات المنتخب لنهائيات كأس أمم آسيا.
ويجد الاتحاد اليمني لكرة القدم صعوبة أخرى في تنظيم تحضيرات المنتخب لنهائيات كأس أمم آسيا، بسبب انقسام البلاد إلى قسمين متحاربين، هذا فضلا عن نقص الموارد المالية. ويخشى اللاعبون الغارات الجوية على الحدود، كما أنهم يسافرون في شاحنات لنقل الماشية.
وتعرض أحد اللاعبين إلى الاختطاف من قبل مسلحين وهو عائد من مباراة في إطار تصفيات كأس آسيا.
وتلاعبت السياسة كثيرا بمصير المنتخب اليمني وتحضيراته لنهائيات كأس آسيا، إذ معنت السعودية اللاعبين في مطلع ديسمبر/ كانون الأول من السفر إلى قطر لإجراء مباريات ودية هناك، وأرسلتهم، دون سابق تحضير، إلى ماليزيا.
"لعبت ثلاث مباريات في المستوى العالي فقط خلال عام 2018"
ليس لليمن تاريخ زاخر بالإنجازات في كرة القدم. فالجمهور اليمني لا ينتظر كثيرا من منتخب بلاده، ويجد فرصة للاحتفاء عندما لا تكون الخسارة كبيرة.
لم يفز المنتخب اليمني بأي مباراة في منافسات كأس الخليج، التي شارك فيها 27 مرة، ولكنه فاز مرتين وتعادل أربع مرات في تصفيات كأس آسيا 2019.
لعب المنتخب اليمني مبارياته في قطر، ولم يكن عدد جمهوره يزيد عن بعض المئات، ولكن الحماس أخذ يتزايد بين اليمنيين في البلاد كلما حقق المنتخب نتائج إيجابية، خاصة في ظروف الحرب التي جعلتهم يتوقون لأي خبر مفرح.
وبلغت فرحة اليمنيين مداها عندما سجل عبد الواسع المطري هدفين أمام نيبال وضمن تأهل منتخب بلاده إلى نهائيات كأس آسيا.
وفضلا عن مباراة نيبال لعب المنتخب اليمني ثلاث مباريات ودية في عام 2018 فقط.
يقول فؤاد العميسي، البالغ من العمر 29 عاما: "لعبت ثلاث مباريات في المستوى العالي خلال 2018"، ولا يجد مالا للذهاب إلى قاعة التدريب، أما لاعب آخر فيجد صعوبة في التدريب والعمل كسائق مقابل 6 دولارات في اليوم.
ويضيف العميسي أن "الضغط النفسي الذي تسببه الحرب يجعل الاستعداد البدني أكثر صعوبة بالنسبة للاعبين".
أصعب عمل في كرة القدم
يعرف المدرب السلوفاكي كوتشيان شيئا عن تأثير النزاعات السياسية على كرة القدم. فقد كان لاعبا في منتخب تشيكوسلوفاكيا قبل أشهر من انقسام البلاد، ولكن ما حصل في بلاده عام 1993 لا يقارن أبدا بما يجري في اليمن.
وصل كوتشيان إلى السعودية في نوفمبر/ تشرين الثاني لتحضير اللاعبين الذين اختارهم الاتحاد من أجل خوض المباريات الدولية. ولكنه ينفي أنه تولى أصعب عمل في كرة القدم.
ويقول إن "الظروف السياسية تجعل ظروف تحضير المنتخب غير عادية، وهناك أمر واحد أنني لن أدخل البلاد. هذا ما ينص عليه العقد، ولكنني أتشرف بقيادة هذا المنتخب".
يميل المدرب السلوفاكي إلى الأسلوب الفني اعتمادا على التمريرات، وهو ما يجعله مدربا مناسبا لهذا المنتخب الشاب. ولم يلعب المدافع السابق لمنتخب سلوفاكيا، ولكنه درب منتخب بلاده وكان له الفضل في تخريج لاعب مثل ماريك هامسيك، الذي يعد صانع ألعاب سلوفاكيا وهدافها الفذ.
يقول كوتشيان إن لاعبيه يركزون على كرة القدم ن ويتجنبون الحديث عن الأوضاع في البلاد تماما مثلما كان زملاؤه لا يتحدثون عن انقسام تشيكوسلوفاكيا.
ولكن هذا لا يعني أنهم لا يشعرون بالمأساة التي يعشيها بلدهم. ويقول الحارس المخضرم محمد عياش إن اللاعبين يريدون من خلال تحقيق نتائج إيجابية منح الشعب اليمني بريقا من الأمل بعيدا عن فظائع الحرب التي تحيط بهم.
ويقول الصحفي الرياضي، عمر المصري، إن "هذه الدورة هي فرصة لمنح الشعب فرصة للفرح، إنها فرصة عظيمة فاليمنيون يصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة ومع ذلك يملأون المقاهي لمتابعة مباريات المنتخب".
ويقول كوتشيان إن اللاعبين الذين لا يزالون في اليمن يأملون أن تكون هذه الدورة فرصة لهم للحصول على عقود احتراف تخلصهم من الحرب، فلا أحد يذهب إلى هناك للبحث عن المواهب".
BBC