في ذكراها الثامنة.. صنّاع ثورة تونس منسيّون ومتعطّشون لقطف ثمارها
رأي اليمن ـ الاناضول

بعد مرور ثماني سنوات على اندلاع الثورة التونسية، يرى صُنّاع ثورة "الحرية والكرامة" في محافظتي "سيدي بوزيد" (وسط)، و"القصرين" (غرب)، أن مناطقهم التي كانت مهدًا للثورة، ما زالت منسيّة ومتعطّشة لقطف ثمار الثورة.

 

وقال نشطاء اجتماعيون في هاتين المحافظتين، في تصريحات منفصلة للأناضول، إن "المطالب الاجتماعية التي كانت العنوان الأبرز لانطلاق الاحتجاجات في هذه الجهات لم تتحقّق بعد".

 

ورأى النشطاء، أن "مناطقهم ما زالت تعاني التهميش، وتنامي معدّلات البطالة؛ خاصة في صفوف حاملي الشهادات العليا، وتنامي نسب الأمية، وتعطّل أغلب المشاريع التنموية المرتبطة بالبنية التحتية والتعليم والصحة وغيرها من المجالات".

 

وتحيي تونس في 14 يناير/كانون الثاني الجاري، الذكرى الثامنة لثورتها التي انطلقت شرارتها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 من محافظة "سيدي بوزيد"، ثم امتدت غربًا إلى محافظة "القصرين"، قبل انتشارها في كامل البلاد، وانتهت بسقوط نظام زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011.

 

وخلال أحداث الثورة، قتل 20 شخصا في محافظة "القصرين"، و8 في محافظة "سيدي بوزيد"؛ بينهم محمد البوعزيزي مفجر الثورة التونسية.

 

ويعتبر أهالي هاتين المحافظتين، في الداخل التونسي، أن مطالبهم الأساسية التي رفعوها إبان الثورة من عمل وتنمية لم تتحقق، وأن أوضاعهم الاجتماعية الصعبة التي انتفضوا من أجلها لم تتغيّر.

 

في هذا الصدد، قال النقابي، وعضو الاتحاد الجهوي للشغل بالقصرين (فرع أكبر منظمة عمّالية) عاشور عبد اللاوي، في تصريح للأناضول، إن "القصرين عبّدت الطريق للثورة ودفعت الثمن باهظًا من دماء شبابها وكانت آمالهم كبيرة".

 

وأضاف عبد اللاوي، أن "المنطقة عانت التهميش طيلة ستّة عقود، وعندما جاءت الثورة كان أملنا في أن الهوة في التنمية بين المناطق الساحلية والمركز وبين المناطق الداخلية تتقلص، لكن تبيّن أن الطموحات كانت أكبر من الإمكانيات".

 

وتابع: "الدولة التونسية في أعوام 2011 و2012 و2013 رصدت تمويلات للقصرين بأكثر من 1.2 مليار دينار (حوالي 400 مليون دولار)، ولكن لم تقدر هذه الأموال على تغيير أوضاع المنطقة لعدة اعتبارات".

 

وأرجع عبد اللاوي العوامل المعرقلة للتنمية إلى "محدودية الموارد البشرية في الإدارات الإقليمية، وضعف البنية التحتية والنسيج المؤسساتي، وغياب الدراسات للمشاريع"، لافتًا إلى أن "جزءاً كبير من الإدارة كان عاملًا معطلًا لأنه كان منخرطًا في شبكات فساد".

 

واستطرد قائلًا: "في 2011 تم توفير 24 ألف فرصة عمل بالمحافظة بآليات تشغيل في مجالات هشة مثل عمّال الحظائر، إذ يتلقون أجرًا ضعيفًا، ولا يقومون بأعمال حقيقية تخلق ثروة".

 

وأوضح أن "المنطقة لديها مقدّرات هامة لتحقيق التنمية، لكن لم تستفد منها، على غرار مواد إنشائية مثل الرخام، والمواد الأولية لصنع السيراميك، والرمل اللازم لصناعة البلور؛ فضلًا عن رصيد أثري هام إذ تمتلك المنطقة ربع آثار البلاد التي تعود للعهد الروماني، كما تمتلك ثلث الغابات التونسية".

ولفت عبد اللاوي إلى أن "المنطقة تحتل المراتب الأخيرة في معدلات التنمية في البلاد، وبلغت نسبة البطالة في صفوف أصحاب الشهادات العليا بالقصرين 40 في المئة، ويعدّ مؤشر التعليم في المنطقة ضعيفًا جدًا، حيث تضم 550 ألف أمّي".

 

وطالب النقابي التونسي "السلطات بالقيام بإصلاحات إدارية عميقة، ومراجعة اختيارات التنمية، وإحداث صناديق استثمارية خاصة بإقليم الوسط الغربي، لجذب المستثمرين".

 

واعتبر أنه يتعين "على الدولة إخراج المنطقة من التهميش والحرمان، وإقامة منطقة تبادل حرّ مع الجزائر، لخلق فرص عمل".

 

أمّا في محافظة "سيدي بوزيد"، يعتبر الناشط الاجتماعي والباحث الأنثروبولوجي (علم الإنسان)، الأمين البوعزيزي، أن "الشعار الأساسي الذي رفعه الأهالي خلال الثورة كان اجتماعيًا بامتياز والشعار هو (التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق)".

 

وقال البوعزيزي، في تصريح للأناضول، إن "معضلة التشغيل ما زالت الجرح النازف الذي فشلت كل الحكومات في حلّه".

 

وأشار إلى أن "النظام السياسي والحكومات في البلاد تغيّرت، لكن منوال التنمية الذي ثار ضدّه الناس ما زال هو نفسه، لذلك لا غرابة في أن المطالب لم تحقّق لأن تحققها غير ممكن بنفس المنوال التنموي القديم".

 

ووصف البوعزيزي منوال التنمية في تونس "بالمركزي والمتحيّز لجهات ضدّ جهات أخرى".

 

وأوضح، أنه "يرتكز على القطاع الخاص وهذا القطاع يبحث عن الربح، والمناطق الداخلية لا تضم بنية تحتية مستقطبة للقطاع الخاص، الذي يبحث عن مناطق جاذبة للاستثمار".

وبحسب البوعزيزي، فإن منطقته تعدّ "الأكثر تضررًا بعد الثورة، إذ لم تمكّنهم الدولة من التشغيل، وعلى مستوى التعليم هناك آلاف التلاميذ يغادرون مقاعد الدراسة في سن مبكّرة، كما أن عدد الخريجين الجامعيين المعطلين عن العمل كبير جدًا".

 

واستطرد، قائلًا: "بنك التضامن (حكومي) في الجهات لا يقرض أصحاب المشاريع الخاصة في الجهة، وتكاد تكون نسبة تمويله لمشاريع الحساب الخاص 0%؛ رغم أن دوره اجتماعي ويتمثل في منح أصحاب الشهادات العليا، وأصحاب المشاريع الخاصة قروضًا لإنجاز مشاريعهم".

 

ولفت البوعزيزي إلى أن "الجهة توفّر 22% من المنتجات الفلاحية (الزراعية) على مستوى البلاد، لكن تعطّل إحداث سوق كبيرة للمنتجات الفلاحية، رغم اتخاذ قرار في ذلك منذ خمس سنوات".

 

في المقابل، ترى النائبة عن محافظة سيدي بوزيد بالبرلمان التونسي عن كتلة حركة "النهضة" (ائتلاف حكومي/ 68 مقعدًا) حياة العمري، أن "التنمية في الجهة تقدّمت بخطوات هامّة".

 

غير أنها أقرّت، في تصريح للأناضول، بأنّ "الاستثمار في الجهة يعتبر ضعيف جدًا".

 

واستدركت قائلة: "لكن رغم ذلك توجد مشاريع كانت معطّلة وأُنجزت على غرار انطلاق استغلال منجم الفوسفات بالمكناسي (انتداب 164 عاملًا)، ومنجم الجبس وهو مشروع ضخم جدًا سينطلق قريبًا".

 

وأشارت النائبة إلى أن "عددًا من مشاريع البنية التحتية تم إنجازها بعد الثورة تتمثل في تعبيد طرقات ومسالك فلاحية (قرابة 1200 كيلومتر)، وهذا لم ينجز طيلة ستّين عامًا".

 

وأضافت: "كما تم إحداث إدارات منها دور للخدمات والقباضات المالية (مكاتب الضرائب)، وفي قطاع الصحة تم إحداث 10 مراكز صحة أساسية، وفتح أقسام جديدة بالمستشفيات".

 

ولفتت العمري إلى أنه "تم في إطار موازنة 2019 تم إقرار إحداث مستشفى إقليمي جديد في مدينة جلمة بتمويل من البنك الكويتي للتنمية، وتم إقرار 230 مليون دينار (79 مليون دولار) لإحداث مستشفى جامعي جديد بسيدي بوزيد بتمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية".

 

وشدّدت العمري على أنه "رغم هذه الإنجازات، لا يزال مؤشر التنمية في الجهة في حدود 0.44%، كما أن نسبة البطالة مرتفعة".

 

واختتمت بالقول: "ما زال الكثير لم يتحقّق، نحاول كنواب شعب خلق الظروف الجالبة للاستثمار في الجهة، لأن ما ينقصها الاستثمار وانتصاب (تأسيس) شركات كبيرة حتى تفتح فرص عمل هامة للشباب".

متعلقات