تكشف هجمات وقعت على ناقلتين سعوديتين وسفن أخرى قبالة ساحل دولة الإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع نقاط ضعف أمني في شريان رئيسي لشحنات النفط وسط أجواء تشهد توترا متزايدا بين الولايات المتحدة وإيران ودول الخليج العربية.
وبدا أن العملية التي وقعت قرب مضيق هرمز تهدف لاختبار عزم الولايات المتحدة وحلفائها من الدول السُنية دون أن تشعل فتيل الحرب، بعد أن شددت واشنطن من العقوبات على إيران وعززت وجودها العسكري في الجوار.
وقال مسؤول أمريكي إن الإمارات لم تحدد طبيعة التخريب ولم تلق باللائمة على أحد، لكن وكالات الأمن القومي الأمريكي تعتقد أن جهات متعاطفة مع إيران أو تعمل لحسابها ربما كانت وراءه.
ونأت إيران بنفسها عن الواقعة التي لم يعلن أحد مسؤوليته عنها.
وقال جيري نورثوود رئيس شركة ماست للأمن وإدارة المخاطر ”هي وخزة.. شكة دبوس صغيرة في مسار التجارة البحرية العابرة لمضيق هرمز“.
ووقع الهجوم قبالة إمارة الفجيرة الواقعة مباشرة أمام المضيق، ذلك الممر المائي الضيق الذي يفصل إيران عن شبه الجزيرة العربية ويمر منه خمس الاستهلاك النفطي العالمي القادم من منتجي الشرق الأوسط.
وبعد يومين من ذلك الهجوم قالت المملكة العربية السعودية إن طائرات مسيرة مسلحة ضربت محطتين لضخ النفط بها، في هجوم أعلن الحوثيون اليمنيون المتحالفون مع إيران المسؤولية عنه.
والأسطول الخامس التابع للبحرية الأمريكية والذي يقع مقره في البحرين مكلف بحماية السفن التجارية بالمنطقة. وللبحريتين البريطانية والفرنسية وجود بالمنطقة أيضا، كما تتمتع السعودية والإمارات بقدرات بحرية متطورة.
غير أن مجموعة أوراسيا قالت في بيان إن دول الخليج العربية تحاول بصعوبة بناء نظام فعال للتصدي للطائرات المسيرة ومحاولات التخريب التي لا تنطوي على تقنيات عالية.
وقال نورمان رول، وهو ضابط مخابرات أمريكي متقاعد، ”تتحرك المئات، إن لم يكن الآلاف، من القوارب الصغيرة في تلك المنطقة يوميا. كثير من هذه السفن سفن مهربين يعملون بين إيران ودول الخليج“.
وتابع ”هذا يجعل من الصعب، ولكن ليس من المستحيل، رصد أي سفن صغيرة ربما تكون قد شاركت في العملية“.
وقالت متحدثة باسم المكتب الإعلامي الحكومي إنه لم يطرأ تغير على أمن ميناء دبي، المركز التجاري الرئيسي بالمنطقة.
لكن الإمارات ربما تواجه ضغوطا لتكثيف الدوريات.
وقال دبلوماسي غربي في أبوظبي ”الإمارات بحاجة لأن ترسل إشارة لطمأنة قطاع الشحن إلى أن الفجيرة آمنة وأن هذا لن يتكرر“.
أسئلة عالقة
بعد مرور أكثر من ثلاثة أيام على الواقعة، ما زالت المعلومات شحيحة عن المكان الذي كانت به السفن عندما هوجمت، وعن نوع السلاح المستخدم، ناهيك عن الفاعل.
وأشارت بيانات ملاحية إلى أن بعض السفن على الأقل ربما كانت في نطاق تسعة أميال بحرية عن الساحل، أي داخل المياه الإقليمية للإمارات بوضوح.
وقال وزير الطاقة السعودي إن سفينة واحدة على الأقل كانت أبعد من هذا، في المياه الاقتصادية الخاصة بالإمارات حيث يسري القانون الدولي إلى حد كبير.
وشاهد صحفيون من رويترز ومؤسسات أخرى تم اصطحابهم في جولة قبالة ساحل الفجيرة ثقبا في جسم سفينة نرويجية ورأوا المعدن مثنيا إلى الداخل. ولم تظهر على ناقلة سعودية شاهدوها أي علامة على ضرر جسيم.
وذكرت مصادر من الأمن البحري لرويترز أن الصور توحي بأن الضرر نجم على الأرجح عن ألغام لصيقة تم تثبيتها قرب الشريان المائي وتحوي متفجرات تقل زنتها عن أربعة كيلوجرامات. وقال مصدر إن مستوى التنسيق واستخدام الألغام يستبعدان على الأرجح ضلوع جماعات متشددة مثل تنظيم القاعدة.
وقال جيريمي بيني محرر شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلة جينز ديفنس العسكرية الأسبوعية إن مدبري الهجمات ”ليسوا من هؤلاء الذين يسعون لجذب الأضواء، بل شخصا يريد إبراز شيء ما دون أن يشير بالضرورة لأي اتجاه معين... لم يتجاوز الخط (خط الحرب)“.
وقال جان مارك ريكلي رئيس المخاطر العالمية والتكيف في مركز جنيف لسياسة الأمن إن الهجمات ربما كانت رسالة مفادها أن إيران لديها وسائل لتعطيل حركة السير.
وأعلنت شركة أرامكو السعودية للنفط أنه لم يحدث أي تعطل للإنتاج والصادرات بسبب الهجوم على محطتي الضخ، لكنها أغلقت مؤقتا خط أنابيب شرق - غرب لتقييم حالته.
خط أحمر
الهجومان استهدفا مسارات بديلة لشحنات النفط تتفادى مضيق هرمز.
فميناء الفجيرة أحد مرافئ خط أنابيب النفط الخام القادم من حقول حبشان في أبوظبي، أما خط شرق - غرب السعودي فينقل النفط الخام من الحقول الشرقية إلى ميناء ينبع شمالي باب المندب.
وكان قائد الحرس الثوري الإيراني قد قال العام الماضي إن طهران ستمنع الصادرات عبر الممر المائي إذا استجابت الدول للدعوات الأمريكية بالكف عن شراء النفط الإيراني.
وقال مسؤولون أمريكيون إن إغلاق المضيق سيكون بمثابة تجاوز ”الخط الأحمر“ وتعهدوا باتخاذ اللازم لإعادة فتحه.
والممر المائي يفصل بين إيران وسلطنة عمان، ويربط الخليج بخليج عمان وبحر العرب. ويبلغ عرض المضيق 33 كيلومترا عند أضيق جزء منه، لكن الممر الملاحي فيه لا يتجاوز عرضه ثلاثة كيلومترات في كلا الاتجاهين.
حتى خلال الحرب العراقية الإيرانية التي دارت رحاها من عام 1980 إلى 1988 حين سعى الجانبان لتعطيل صادرات النفط من خلال مهاجمة السفن فيما عرف باسم (حرب الناقلات)، لم تتوقف حركة الملاحة رغم ارتفاع رسوم التأمين بشدة.
وقال مركز جيه.بي.سي لأبحاث الطاقة إن الفجيرة ستظل ينظر إليها على أنها مركز يعول عليه للتزود بالوقود، وبخاصة مع وصول مجموعة قتالية أمريكية للمنطقة ووجود قطع من البحرية البريطانية والفرنسية والصينية للمساعدة.
أما ريكلي فقد قال ”أيا من كان وراء الأمر، فإن هذا يسهم في تأجيج التوترات بالمنطقة ويقود إلى وضع يمكن أن يثير فيه حادث ما رد فعل أكبر“.