أمهات اليمن بين «الفقر والموت»
راي اليمن - صحف

يعاني اليمن منذ 5 سنوات من أزمات على المستويين الصحي والغذائي، خصوصًا في أماكن سيطرة جماعة الحوثي التي تفرض الإتاوات وتمنح الطعام بمقابل دون ذلك لا أزمة لدى الجماعة من موت الأبرياء والفقراء.

ومع استمرار الحرب المستعرة في اليمن اتسعت معاناة الأمهات والأطفال لتشمل من يقطنون مراكز المدن ومنها العاصمة صنعاء، المدينة الأكثر تطورا في البلاد، إذ لم يعد بوسع كثير من الأمهات الحصول على ولادة آمنة أو على الأقل التفكير بتأمينها، فمع تردي الأوضاع الاقتصادية وانقطاع الرواتب، عجز معظم أرباب الأسر عن توفير الاحتياجات الأساسية من المواد الغذائية، فضلاً عن الرعاية الطبية.

 

معاناة

في ليلة حارة من ليالي صيف يونيو الفائت، فجع محمد العلفي القاطن بقرية نائية في منطقة خارف التي تبعد شمالا من العاصمة صنعاء نحو 60 كيلومترا بوفاة زوجته أثناء مخاض عسير.

عجز العلفي عن توفير وسيلة مواصلات لإسعاف زوجته إلا في ساعة متأخرة من مخاض الولادة، لتموت هي ووليدها وهي في طريق إسعافها إلى العاصمة صنعاء، ليواجه العلفي محنة اجتماعية، حيث صار العائل الوحيد لثلاثة أطفال.

زوجة العلفي ليست الوحيدة في اليمن فحسب، بل تواجه آلاف الأمهات المصير ذاته، وخاصة في المناطق والمدن النائية، حيث صارت المراكز الصحية مشلولة الخدمات، ولا توجد أي مراكز قابلة للولادة إلا فيما ندر.

منى العبسي الحامل في شهرها السادس تلخص هذه المعاناة بقولها: «في ولادتي بمولودي الأول والثاني تمكن زوجي الذي يعمل في وظيفة حكومية من توفير مبلغ مالي تفاديا لحدوث أي مخاطر أثناء الولادة»، وتضيف بلهجة حزينة: «مع انقطاع الرواتب اضطر زوجي للعمل في مهنة وضيعة، لا تكفي لتلبية احتياجاتنا الغذائية، لذلك ليس في وسعنا إلا الولادة في المنزل والاحتكام لمشيئة القدر».

وتعد تكاليف الولادة باهظة للغاية خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تفتك باليمن يين، فحازم فارع اضطر مطلع يوليو الجاري لرهن سيارته الخاصة في مستشفى خاص بالعاصمة بعد أن عجز عن دفع مبلغ 150 ألف ريال فاتورة إنقاذ أخته التي واجهت خطر عسر الولادة (الدولار نحو 550 ريالا) حيث لم يجد لها حازم مكانا للعلاج في المستشفيات الحكومية الخاضعة للحوثيين بحجة أن الأقسام ممتلئة وفق ما أبلغ بذلك.

وما يضاعف مأساة الأمهات في اليمن انعدام ثقافة الصحة الإنجابية لدى بعض الأمهات، فشيماء العواضي لم يمض على إنجاب طفلها الثاني سوى خمسة أشهر، حتى أصبحت حاملاً بطفل ثالث، تقول شيماء: «لم أستعمل وسائل منع الحمل، ولم نستطع شراءها، لذلك صرت حاملا، وعجز زوجي عن شراء الحليب الكافي للطفل الذي صار يعاني من سوء تغذية حاد، وبفعل تعاون أهل الخير انتقلنا لعلاج الطفل في العاصمة صنعاء».

وفيما يؤكد الأطباء على أهمية التغذية الجيدة للحامل قبل الولادة وفي أثنائها وبعدها، يبدو ذلك صعبا للغاية في ظل جحيم الحرب الدائرة منذ أكثر من أربع سنوات، والتي حولت حياة اليمن يين إلى ضائقة اقتصادية لا مثيل لها على الإطلاق.

وبحسب تقارير منظمة اليونيسيف، يعاني أكثر من 10 ملايين يمني من الجوع الشديد، وتشكو أكثر من مليون امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية، ووفقاً لوفاء صلاح، طبيبة نساء وولادة، تحدثت لـ«الشرق الأوسط» في صنعاء فإن أغلب النساء اللاتي يترددن على المستشفيات والعيادات في السنوات الأخيرة يعانين من سوء تغذية حاد، مشيرة إلى أن بعض المنظمات كمنظمة اليونيسف وفرت في بعض المراكز الصحية أغذية تساعد الحوامل على علاج سوء التغذية.

ومع مضي كل يوم من أيام الحرب في اليمن تتسع الأرقام المرعبة التي تتحدث عن وفيات الأمهات وأطفالهن، ولعل زيارة واحدة لأكبر مستشفى لعلاج الأطفال والنساء بالعاصمة صنعاء (مستشفى السبعين) تكفي لرسم صورة الوضع المأساوي للوضع الصحي في البلاد.

فمشهد الازدحام للأمهات والأطفال يطغى في جميع أزقة المستشفى، وفي الداخل يشد نظرك عشرات الأطفال وهم ملقون على أسرة وقد التهم أجسادهم سوء التغذية وصاروا عاجزين عن الحركة والتنفس وتناول الطعام إلا عبر الحقن.

وفيما يشير تقرير الأمومة والأبوة في ظل الصراع الصادر حديثا عن اليونيسيف إلى أن نحو 49 في المائة من المرافق الصحية في اليمن منهارة، وإلى أن ما نسبته 51 في المائة فقط لا تزال صامدة مع احتياجها للأدوية والمستلزمات والكادر الطبي، يؤكد معتز العيزري مدير وحدة مكافحة سوء التغذية بمستشفى السبعين على أن المستشفى يعمل بفضل دعم المنظمات كمنظمة اليونيسيف التي توفر الغذاء والدواء ومستلزمات طبية.

ويقر العيزري بأن الخدمات الصحية للمستشفى تراجعت كثيرا بسبب ظروف، حيث يواجه مشكلة الإقبال المتزايد من المرضى، مؤكدا أن المستشفى يستقبل يوميا وخلال ست ساعات فقط من فترة الدوام نحو 60 طفلا يعانون من سوء تغذية حاد ومتوسط، بالإضافة إلى إقبال نحو 40 امرأة يوميا يعانين مشاكل الحمل والولادة وغيرها.

متعلقات