رائحتها صباحا قادرة على على تغيير الحالة المزاجية لمحبيها، ورشفات قليلة منها تمد الجسم بطاقة يبدأ معها نهار من أدمنوا شربها وباتت وقودهم وأهم جزء من روتينهم الصباحي.. الشراب المغلي واللبن المحض، وخمر العرب أو القهوة، المشروب الأشهر في العالم والسلعة الأكثر مبيعا، بعد النفط.
أحد معاني القهوة في قواميس اللغة العربية هو ”الخمر“ إذ نُسب لها الإضرار بالعقل والحالة الذهنية لشاربها، وكذلك بالحالة البدنية، فهي ”تُقهي“ أي تُشبِعه، ولأنّ من يشربها يُقْهِي عن الطعام : أي يكرهه.
أما بحسب المعجم الوسيط فالفعل أقْهَى يعني دام على شُرْب القهوة، أي داوم على شرابها واعتاد عليها، وترتبط القهوة في الشعر العربي بـ3 مشروبات هي شراب البُن المغلي، واللبن والخمر.
تتفاوت النظريات حول أصل القهوة إلا أن النظرية الأشهر تُرجعه إلى اليمن، حيث انتقلت منه إلى إثيوبيا وانتشرت منها إلى العالم، بينما تقول روايات أخرى أن اليمن استوردت حبوب البن من إثيوبيا ولاقى إعجابا كبيرا بين السكان ليقوم التجار فيما بعد بشراء نبتات القهوة وجلبها معهم إلى اليمن حيث زرعوها وازدهر إنتاجها.
تركت اليمن بصمة واضحة في القهوة ومسمياتها، إذ تعود تسمية قهوة الـ ”موكا“ إلى اسم ميناء المُخاء على ساحل البحر الأحمر في اليمن، والذي كان السوق الرئيسية لتصدير القهوة بين القرنين الـ15 والـ17، وقد اشتهرت قهوة المخاء التي تأخذ اسمها من هذا الميناء.
تُرجع الروايات أول استهلاك موثق للقهوة من قبل البشر إلى القرن الـ15 ميلادي، حيث استُخدم في المعابد الصوفية في اليمن لتبقي المصلين والنُّساك بحالة من اليقظة خلال صلاتهم قيام الليل والذي كان يمتد لساعات طويلة، وما لبثت القهوة أن انتشرت إلى أرجاء الجزيرة العربية وسوريا ومصر تركيا بحلول القرن الـ16، كما ساعد الحج وزيارة آلاف الحجاج لمكة المكرمة والمدينة المنورة لانتشار حبوب البن وشراب القهوة إلى أنحاء العالم.
في القرن الـ17 وجدت القهوة طريقها إلى أوروبا عن طريق الرحالة الأوروبيين، إلا أنها واجهت حالة من الشك والريبة، إذ وُصفت بأنها إحدى ”بِدَع الشيطان المريرة“، كما حرمها رجال الدين في فينيسيا، وواجهت اعتراضات كبيرة بين رجال الدين مما دفع البابا كليمنت الثامن للتدخل بنفسه وتذوق المشروب قبل اتخاذ أي قرار، ليجد طعمه لذيذا ومرضيا لدرجة ما، فمنح المجتمع الموافقة البابوية على استهلاكها.
انتشرت ”المقاهي“ في اليمن والبلاد العربية بعد اكتشافها بفترة قصيرة، إذ بات لاحتساء القهوة طقوس مرافقة توفرها تلك المقاهي الشعبية التي يتردد عليها الناس من جميع الطبقات الاجتماعية، لتبادل أطراف الحديث والاستماع للموسيقى والاستمتاع بلعب الشطرنج، بينما تصب القهوة بجوارهم، و سرعان ما أصبحت المقاهي مركزًا مهمًا لتبادل المعلومات التي يشار إليها غالبًا باسم ”مدارس الحكماء“، بحسب الاتحاد الوطني للقهوة في الولايات المتحدة.
وبعد ما واجهته من جدل في أوروبا وموافقة الباباوية على شرب العوام للقهوة، سرعان ما أصبحت المقاهي مراكز للنشاط الاجتماعي والتواصل في المدن الرئيسية في إنجلترا والنمسا وفرنسا وألمانيا وهولندا. في إنجلترا ، وأُطلق عليها "جامعات الفلس" ، وهذا ما يطلق عليه لأنه مقابل سعر فلس واحد، يمكن شراء فنجان من القهوة والانخراط في محادثة ملهمة محفزة توسع آفاق السامع وتحفزه على التعلم أكثر فأكثر.