خسر الريال اليمني 14% من قيمته أمام الدولار الأميركي في ظرف أسبوع فقط، ووصل سعر العملة المحلية في مدينة عدن إلى 640 ريالا، لتقفز معها أسعار بعض السلع إلى 300% وفق مراسل "الجزيرة نت".
وتحاول الحكومة اليمنية تدارك ذلك الانهيار لكن يبدو أنها مشلولة تماما، فانهيار الاقتصاد لم يتوقف حتى اليوم، والعملة المحلية مهددة بفقدان قيمتها أكثر أمام سلة العملات الأجنبية، وفق ما أكد مصرفيون للجزيرة نت.
على حافلة نقل صغيرة في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، استعر الجدل بين ركابها حول من يتحمل مسؤولية أزمة انهيار الريال، وكان الصوت عاليا لمسلح حوثي يحمّل "أميركا وإسرائيل مسؤولية تدمير الاقتصاد اليمني".
ومع اقتراب الحافلة من محطة الوقوف، قال إسماعيل البدجي -وهو موظف في وزارة المالية- إن "البلاد مفلسة بسبب الحرب وتوقف الصادرات، لكن حكومة عبد ربه تتحمل المسؤولية الكبرى".
البدجي واحد من ملايين اليمنيين الذين اتفقوا على أن الحكومة اليمنية والتحالف العربي بقيادة السعودية خذلوا اليمنيين، وقال للجزيرة نت إن "السعودية والإمارات تستمتعان بمشاهدة آلاف اليمنيين يموتون، ولن تتدخلا بإنقاذ الاقتصاد، وحكومة عبد ربه تغط في النوم".
حكومة دون حيلة
وعقدت الحكومة مساء أمس الاثنين اجتماعا غير معلن في الرياض -بحضور اللجنة الاقتصادية التي شكلها الرئيس عبد ربه منصور هادي للتعامل مع الوديعة السعودية- لمناقشة الحد من تدهور العملة المحلية، لكن الاجتماع خرج بحديث مكرر، يؤكد على إجراءات تضمن إيقاف تدهور العملة المحلية.
وقال مصدر رفيع في الحكومة للجزيرة نت -مفضّلا عدم الكشف عن هويته- إن "الحكومة مفلسة ولا تملك السلطة، فتنمية الإيرادات وتوريدها إلى البنك المركزي أمر غير ممكن".
وأضاف "مثلا فرع البنك في مأرب لا يزال يعمل بعيدا عن البنك المركزي الرئيسي في عدن".
وأشار المصدر إلى أن من ضمن المعالجات التي أقرها الاجتماع استئناف تصدير النفط والغاز، ووفق ما يراه المصدر فإن الإمارات والسعودية هما من تملكان القرار في ذلك.
وأوضح المصدر أن "الحكومة تحاول، لكن تلك المحاولات برأيي عقيمة خصوصا أنها بلا حيلة".
أواخر أغسطس/آب الماضي أصدر الرئيس اليمني قرارا بتشكيل اللجنة الاقتصادية برئاسة حافظ معياد الذي يعد من أبرز القيادات الموالية للرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وبعد أسبوعين كتب معياد في تدوينة على صفحته بموقع "فيسبوك" إن الاجتماع الأول للجنة سيكون في الرياض.
مصدر رفيع في اللجنة قال للجزيرة نت إن اللجنة وضعت مسودة للحلول، لكنها لن تتحقق إلا بالتنسيق والحصول على دعم من السعودية ومن الإمارات، وإخضاع جميع واردات البلاد للجمارك، وتوريدها إلى البنك المركزي.
وأضاف أن "الوضع المالي سيئ جدا، وما نتعامل معه هو فوضى وفساد في كل القطاعات، بداية من البنك المركزي، لكن اللجنة ستعمل على تخفيف التوجه نحو المضاربة على العملة الأجنبية في السوق المحلي، وحل المشاكل المتعلقة بتقديم الخدمات المصرفية الدولية التي يحتاجها قطاع الأعمال".
وتابع "سنعتمد على ما توفر من عملة أجنبية من الإيرادات المتاحة للدولة والمخزون لدى البنوك والصرافين في الداخل، وتنظيم ذلك مع الجهات المعنية والبنك المركزي والأشقاء في التحالف".
تغيير السياسة النقدية
ويرى رئيس الغرفة التجارية في مدينة عدن أبو بكر عبيد أن على البنك المركزي اليمني تغيير السياسات النقدية، كخطوة أولى في سبيل تحقيق البدائل والآليات الاقتصادية لإنقاذ الريال بدلا من الركون إلى دول التحالف وأعطياتها.
واتهم عبيد -في حديث للجزيرة نت- البنك بأنه لم يحسن التعامل مع الأزمة الحاصلة، وقال "فلا إيرادات مضبوطة ولا صرف مضبوطا، كما أنه تراجع عن دعمه لاستيراد السلع الأساسية وفق التوجيهات السعودية، مما تسبب في زيادة طلب التجار على الدولار".
وألقى عبيد باللائمة على البنك والحكومة اللذين عولوا على الوديعة السعودية، وتساهلوا مع الأزمة الحالية، وقال "الغريب أن البنك لم يعلّق على الأزمة حتى اليوم".
ويضيف بأن إيقاف الحرب ومعالجة الحكومة للوضع بشكل جاد وعودتها للداخل اليمني، كفيل بتعافي الاقتصاد.
وأكد عبيد "لا بد من تقليص الرواتب للمسؤولين خارج البلاد، وصرف رواتب الجنود والمسؤولين من البنك المركزي، لضمان توفير العملة في البنك وضمان بقائه داخل البلاد".
وحتى اليوم لا تزال أموال تمويل الحرب ورواتب الجنود تمر بعيدا عن البنك المركزي.
فات الأوان
ويظهر أنه فات الأوان على توجيهات الرئيس هادي التي قضت بوضع التدابير الكفيلة بعودة الاستقرار التمويني والغذائي والخدماتي، فالأزمة ذهبت إلى مدى أبعد، حسبما يقول أستاذ المصارف والبنوك في المعهد الوطني للعلوم الإدارية والمصرفية طارق عبد الرشيد ملهي.
الخبير المصرفي والمالي أكد للجزيرة نت أنه "فات الأوان على اللجوء إلى الوسائل والمعالجات الاقتصادية".
وأضاف "لا يمكن الخروج من الأوضاع الراهنة في ظل حكومة لا تستطيع فرض إرادتها على المصادر المتاحة للإيرادات ولا سيما من النقد الأجنبي، علاوة على إيكال الأمر لذوي الجهالة والفساد".
ويستدرك ملهي بأن من الممكن تخفيف وطأة الكارثة من خلال التوجه الفعلي نحو ردم منابع الفساد، وتمكين الحكومة من القيام بدورها المأمول في إدارة الشأن الاقتصادي، ووقف إهدار المتاح من العملات الأجنبية المحدودة أصلا في صورة مرتبات وبدلات لموظفي الدولة، وترشيد الاستيراد لغير المواد الأساسية.
ويعود ملهي إلى توصيف الأزمة الراهنة بأنه ليست أزمة سعر صرف، ولكنها أزمة غياب دور الحكومة اليمنية في رعاية مصلحة الوطن والمواطن.